الاثنين، 25 يونيو 2012

من هو الصحابيّ الجليل عبد الله بن أمّ مكتوم


http://www.arabic.fabjo.org/sites/default/files/abbas.jpg?1318324754




عَبدُ الله بنُ أُمِّ مَكتُومِ

الصحابيّ الذي عُوتب فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم
...........


من هذا الذي عوتب فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات أقسى عتاب وأوجعه ؟!
من هذا الذي نزل بشأنه جبريل الأمين على قلب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بوحي من عند الله ؟!
إنّه عبد الله بن أم مكتوم مؤذن الرسول صلوات الله وسلامه عليه . 
وعبد الله بن أم مكتوم مكّيّ قرشيّ تربطه بالرسول عليه الصلاة والسلام رَحِم، فقد كان ابن خال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها ، أما أبوه فقيس بن زائدة ، وأما أمه فعاتكة بنت عبد الله ، وقد دُعيت بأمِّ مكتوم لانها ولدته أعمى مكتوما .
شهد عبد الله بن أم مكتوم مطلع النور في مكة ، فشرح الله صدره للإيمان ، وكان من السابقين الى الاسلام.
عاش ابن أم مكتوم محنة المسلمين في مكة بكل ما حفلت به من تضحية وثبات وصمود وفداء ...وعانى من أذى قريش ما عاناه أصحابه ، وبلا من بطشهم وقسوتهم((اي ذاق وقاسى)) ما بلوه ؛ فما لانت له قناة ((ما ضعف ولا تزعزع)) ، ولا فترت له حماسة ، ولا ضعف له ايمان ...وانما زاده ذلك استمساكا بدين الله ؛ وتعلقا بكتاب الله ؛ وتفقها بشرع الله ، وإقبالا على الرسول صلوات الله وسلامه عليه .
وقد بلغ من إقباله على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وحرصه على حفظ القرأن العظيم أنه كان لا يترك فرصة الا اغتنمها ، ولا سانحة الا ابتدرها ((أسرع اليها)) ...بل كان إلحاحه على ذلك يغريه احيانا بأن يأخذ نصيبه من الرسول صلى الله عليه وسلم ونصيب غيره
وقد كان الرسول صلوات الله عليه في هذه الفترة كثير التصدّي لسادات قريش ، شديد الحرص على اسلامهم ، فالتقى ذات يوم بعتبة بن ربيعة ، وأخيه شَيبة بن ربيعة ، وعمرو بن هشام المكنَى بأبي جهل ، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة(والد سيف الله خالد) ، وطفق يفاوضهم ويناجيهم ويعرض عليهم الاسلام ، وهو يطمع في أن يستجيبوا له ، أو يكفّوا أذاهم عن أصحابه .
وفيما هو كذلك أقبل عليه عبد الله بن أم مكتوم يستقرئه آية من كتاب الله ، ويقول: 
يا رسول الله ؛ علّمني مما علّمك الله .
فأعرض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عنه وعبس في وجهه ، وتولّى نحو أولئك النفر من قريش ، وأقبل عليهم أملا في أن يسلموا فيكون في اسلامهم عزّ لدين الله وتأييد لدعوة رسوله ، وما إن قضى رسول الله صلوات الله عليه حديثه معهم وفرغ من نجواهم ، وهمَّ في أن ينقلب الى أهله((يعود اليهم)) حتى أمسك الله عليه بعضا من بصره ، وأحسَّ كأن شيئا يخفق برأسه((يضرب رأسه)) ...ثم أنزل سبحانه وتعالى عليه قوله :
" عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) " سورة عبس : الآية 1- 16 
ستّ عشرة آية نزل بها جبريل الأمين على قلب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم ، لا تزال تتلى منذ نزلت إلى اليوم ، وستظلّ تتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ومنذ ذلك اليوم ما فتئ الرسول صلوات الله عليه يكرم منزل عبد الله بن أم مكتوم اذا نزل ، ويدني مجلسه اذا أقبل ، ويسأله عن شأنه ؛ ويقضي حاجته ....ولا غرو ((لا عجب)) ؛ أليس هو الذي عوتب فيه من فوق سبع سماوات أشدّ عتاب وأعنفه ؟! ...
ولمّا كلبت قريش ((اشتدّت)) على الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ، واشتدّ أذاها لهم ، أذن الله للمسلمين بالهجرة ؛ فكان عبد الله بن أم مكتوم أسرع القوم مفارقة، فقد كان هو ومصعب بن عمير أوّل من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ...وما إن بلغ عبد الله (يثرب) حتى بدأ هو وصاحبه مصعب يختلفان الى الناس((يترددان على الناس)) ويُقرآنهم القرأن ويفقّهانهم في دين الله .
ولمّا قدم الرسول عليه الصلاة والسلام الى المدينة اتّخذ عبد الله بن أم مكتوم ؛ وبلال بن رباح ؛مؤذِّنَين للمسلمين يصدعان ((يجهران)) بكلمة التوحيد كل يوم خمس مرات، ويدعوان الناس الى خير العمل ، ويحضّانهم الى الفلاح ... فكان بلال يؤذّن ، وابن أم مكتوم يقيم الصلاة ، وربما أذّن ابن أم مكتوم وأقام بلال ...
وكان لبلال وابن أم مكتوم شأن آخر في رمضان ، فقد كان المسلمون في المدينة يتسحرون على أذان أحدهما ويمسكون على أذان الآخر...وكان بلال يؤذن بالليل ويوقظ الناس، وكان عبد الله يتوخّى الفجر((يترقّبه ويتطلّبه)) فلا يخطئه.
وقد بلغ من إكرام النبي عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم أن استخلفه على المدينة عند غيابه عنها بضع عشرة مرة ؛ كانت إحداها عندما غادرها لفتح مكّة.
وفي أعقاب غزوة بدر أنزل الله على نبيه من آي القرأن ما يرفع شأن المجاهدين ، ويفضّلهم على القاعدين لينشط المجاهد الى الجهاد ، ويأنف القاعد من القعود ؛ فأثّر ذلك في نفس ابن أم مكتوم ، وعزَّ عليه أن يحرم من هذا الفضل ؛ فقال :
(يا رسول الله ؛ لو استطعت الجهاد لجاهدت....ثم سأل الله بقلب خاشع أن ينزل قرآنا في شأنه وشأن أمثاله ممن تعوقهم عاهاتهم عن الجهاد ، وجعل يدعو في ضراعة : اللهم أنزل عُذري... اللهم أنزل عُذري ....فما أسرع أن استجاب الله عزّ وجلّ لدعائه ).
حدّث زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :
كنت الى جنب الرسول صلوات الله عليه ، فغشيته السكينة ؛ فوقعت فخذه على فخذي ؛ فما وجدت شيئا أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سرِّي عنه((كشف عنه ما نزل به من شدة الوحي)) فقال : اكتب يا زيد ...فكتبت : 
( لا يَسْتَوِي القَاعِدُوْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيْلِ اللهِ ) 
فقام ابن أم مكتوم وقال : يا رسول الله ؛ فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ؟!....فما انقضى كلامه حتّى غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي ؛ فوجدت من ثقلها ما وجدته في المرة الأولى، ثم سرّي عنه ؛ فقال : اقرأ ما كتبته يا زيد ....فقرأت :
( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) ....
فقال : اكتب .... ( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) 

(( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .. (95) )) سورة النساء : آية –95

فنزل الاستثناء الذي تمنّاه ابن أم مكتوم ...
وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى أعفى عبد الله بن أم مكتوم وأمثاله من الجهاد ، فقد أبت نفسه الطّموح أن يقعد مع القاعدين ، وعقد العزم على الجهاد في سبيل الله ... ذلك لأن النفوس الكبيرة لا تقنع الا بكبار الأمور .
فحرص منذ ذلك اليوم على أن لا تفوته غزوة ، وحدّد لنفسه وظيفة في ساحات القتال ، فكان يقول : أقيموني بين الصّفين ((أوقفوني بينهما)) ، وحمّلوني اللواء أحمله لكم وأحفظه ... فأنا أعمى لا أستطيع الفرار .
وفي السنة الرابعة للهجرة عقد عمر بن الخطّاب العزم على أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة؛ تُديل دولتهم ((تقلب دولتهم)) وتزيل ملكهم ، وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين ؛ فكتب الى عمّاله يقول : لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة، أو رأي ؛ الا انتخبتموه ثم وجّهتموه إليَّ ، والعجل العجل .
وطفقت جموع المسلمين تلبّي نداء الفاروق ، وتنهال على المدينة من كل حدب وصوب((من كل ناحية)) ، وكان في جملة هؤلاء المجاهد عبد الله بن أم مكتوم .
فأمَّر الفاروق على الجيش الكبير سعد بن أبي وقّاص ، وأوصاه وودّعه .
ولمّا بلغ الجيش (القادسية) برز عبد الله بن أم مكتوم لابسا درعه ، مستكملا عدّته ، ونَدَبَ نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها ؛ أو الموت دونها .
والتقى الجيشان في أيام ثلاثة قاسية عابسة ... واحترب الفريقان حربا لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلا حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر((قوي)) للمسلمين ، فدالت دولة من أعظم الدول ...وزال عرش من أعرق عروش الدنيا ...
ورفعت راية التوحيد في أرض الوثنية ... وكان ثمن هذا النصر المبين مئات الشهداء ...
وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم ...
فقد وجد صريعا مضرّجا بدمائه وهو يعانق راية المسلمين .

رحم الله الصحابيّ الجليل وجزاه عن أمّة الإسلام كلّ خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق